jeudi 2 août 2012

أزماتنا الحقيقية



مؤشرات عديدة إلى اليوم توحي بأن ثورتنا مازالت ثورة مسجونة ومكبوتة في المجال السياسي فقط بمعناه الضيّق، ونخشى أن تقتصر فقط على تغيير أشخاص في الحكم وصياغة دستور جديد بعد  تجاذبات ومهاترات إيديولوجية ضيقة من شأنها تعطيل سير هياكل الدولة خلال ما تبقى من السنة، وتؤدي لبناء أسس هشة للجمهورية الثانية المنشودة.


فكل وطني غيور يشعر اليوم بأننا بتنا نعيش فعلا مشاكل مركبة ومعقدة جدا. فالخلل ليس فى المجال السياسى فقط، وإنما هناك شرخ حقيقى حصل صلب الشخصية التونسية، لعلّنا يمكن اختزالها في خمسة أزمات حقيقية تعصف بنا بشكل متزامن ومتلازم وبعنف شديد.


الأزمة الأولى أصابت الأخلاق وسلوك الفرد التونسي وهي تتجلى مثلا عند مجموعة في المجتمع ما زالت تستحل النفاق والكذب والخداع وخيانة الأمانة والانتهازية، حتى صرنا نرى التزوير يحدث تحت قبة نواب الشعب الذين حازوا على ثقته فخانوا الأمانة. ولا يبدو أنه من الممكن للدروس الدينية والوعظ والإرشاد ونظام التربية والتعليم المنهك أصلا، ستكفى لعلاجها . وما نراه اليوم من انشقاقات حزبية وتفرق كبير بين النخبة وصراع على الزعاماتية ومظاهر الحسد بين الأصدقاء والأخوة لأكبر دليل على  هذه الانتهازية والنفاق السياسي.
الأزمة الثانية
هي تدني مستوى الآداب العامة والاحساس بالمواطنة والتى عادة ما ترتبط بحق الآخر ممن يعيش معنا في المجتمع ويرتبط معنا بمصير مشترك . لقد أصبحنا لا نهتم بشوارعنا وحدائقنا العامة وأحيائنا ولا نحترم خصوصية الآخرين وحقهم في مجتمع بلا تلوث سمعى أو بصرى بما يؤكد أن مشروع الإصلاح الجذري يتخطى ما هو شخصي وفردي إلى ما هو مدني ومجتمعي.
أما الازمة الثالثة
فأصابت منظومة المعرفة والتعليم في المقتل وأدخلتها غرفة الإنعاش. فمن المفترض أن تعلم المدرسة والجامعة طلابها (فضلا عن الانتماء للوطن)، فضيلة الرغبة فى التساؤل والبحث الدائم عن تفسيرات جديدة من خلال التفكير النقدي والتفكير المنطقى السليم وهو ما يبدو أن مؤسساتنا التعليمية لم تعد قادرة على القيام به.
الأزمة الرابعة
تكمن في ما نشهده من استقالة جماعية من المشاركة الجدية في العمل العام ورفض المشاركة السياسية في الأحزاب رغم كثرتها وفقدان الروح النضالية عند أغلب قواعدها. فهذه الأحزاب تشكو من قلة المناضلين وحتى فئة كبيرة من النخبة أصابتها روح اليأس فانتهوا إلى حالة عدمية لا تجيد التنتقل من التنظير إلى التنظيم، ومن القول إلى الفعل.

الأزمة الخامسة أصابت العقل السياسى بشقيه الفائز والخاسر بحيث أصبحنا بعيدين عن فهم المرحلة وتحديد خارطة الطريق التي ستوصلنا إلى الحكم الرشيد المنشود فى إدارة شؤوننا . إني أخشى أن نفشل في خلق تحالفات واسعة حول أهداف عليا يلتف حولها قطاع واسع من السياسيين ونبتعد عن الإستقطاب، ونقع في معضلة الجري بلهفة وراء المناصب لكي نكون من أصحاب المعالي و نستأثر بالكراسي حتى آخر يوم فى حياتنا بلا أدنى إنكار للذات أو اعتبار للصالح العام.


نحن نواجه إذن في تونس اليوم أزمات مركبة ومعضلات متقاطعة ولا شكّ أننا وبعد عهدين من الحكم الفردي والدكتاتوري  ومرحلة ضعيفة من الانتقال الديمقراطي، وإزاء إرث فكري وثقافيّ وحضاريّ مهمّش وضعيف، يجب أن نقف وقفة حازمة لوضع اليد على الجرح قبل استفحاله، ولن يكون ذلك صعبا وعصيّا على مصاف النخبة التي تزخر بها بلادنا اليوم من سياسيين وأكاديميين وشباب اختاروا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire