vendredi 3 août 2012

لوبيّات الثورة المضادّة




ليس غريبا اليوم في ظلّ ما تشهده بلادنا من تجاذبات حزبيّة وسياسيّة وتنازع في المصالح الفئويّة بين عديد الأطراف في ظلّ معادلة صعبة في مستوى موازين القوى السياسيّة ومراكز الثقل الشعبيّة بين الفرقاء السياسيين بما فيهم أحزاب الترويكا  الحاكمة  من ناحية وأحزب المعارضة لاسيما الراديكاليّة منها من ناحية أخرى، أن تندفع عديد القوى الخارجيّة إلى تسطير مجالات تحركها على الساحة الوطنيّة ضمن معركة خفيّة في البحث عن النفوذ وتقسيم الأدوار بين السلطة والمعارضة على ضوء خارطة جيوسياسيّة معقّدة ومتداخلة الخيوط والمصالح، حتى انتقلت بعض جولات هذه التجاذبات السياسيّة إلى خارج البلاد في محاولات للتأثير أو الاستفادة من عديد المنظمات والمؤسسات الأجنبيّة، لعلّ من بينها ستاندرز آند بورز الأمريكيّة..
عندما رأيت مؤخرا التصنيف الائتماني لبلادنا تساءلت: كيف يكون وضع تونس مباشرة بعد الثورة أفضل من الوضع الحالي بعد الانتخابات، في ظل وجود حكومة شرعية ومجلس تأسيسي واستقرار أمني نسبي مقارنة بزمن القصبة 2 و3 والإعتصامات العشوائية التي كانت ستعصف بحكومة السيد الباجي قايد السبسي أنذاك وباقتصاد البلاد.  لماذا لم تخفض ستاندر آند بورز الترقيم الإئتماني في أي من تقاريرها في السنة الماضية عند تقييمها لاقتصاد تونس مع العلم أنه كان هناك (ولا يزال) من يدعو الحكومة والشعب التونسي للتوقف عن تسديد الديون وإعادة جدولتها وتحويل مخصصاتها للتنمية ؟ عندها فقط من المؤكّد أنّنا كنا سننزل إلى أسفل سلم التصنيف الائتماني وتكون الطامة الكبرى على الاقتصاد الوطني.

وعندما تابعت عن قرب أكبر اكتتاب عام في تاريخ العالم لشركة فايس بوك التي قيمت بأكثر من 100 مليار دولار (ما يعادل ميزانية تونس لستة سنوات قادمة) وقرأت تقييمات بعض الخبراء الذين اعتبروا أن هذا التقييم يصل لحد الاحتيال المقنن بتواطؤ شركات التقييم الأمريكية وبارونات الاستثمار أمثال مورغن ستانلي ، تساءلت أيضا: أين ستاندرد أند بورز وأين مؤشرها في بورصة نيويورك وتقاريرها لحماية المستثمرين من الوقوع في فخ الجشع؟ كيف تقيم شركة بـ 100 ضعف أرباحها السنوية والكل صامت وفرحان؟؟ بعد أقل من 48 ساعة من الطرح، خسرت فايس بوك خمس قيمتها السوقية. فهل سيتحول أكبر اكتتاب في تاريخ العالم إلى أكبر عملية احتيال في تاريخ البشرية.

وعندما اطلعت على خبر خسائر مورغن ستانلي في أيام قليلة جدا قدرت مبدئيا بـ 2 مليار دولار في عمليات مضاربة في عدة صناديق تحوّط ، تساءلت كذلك: كيف لم تتنبأ شركات التقييم بهذه المخاطر وكيف لم تكشف في الوقت المناسب للرأي العام عن الفساد الكبير في إدارة هذه الصناديق..؟ أين ستاندر أند بورز من كل هذا؟ وأين الحوكمة والشفافية التي تراقبها وتقيمها؟؟...
مؤسسة ستاندرد اند بورز صاحبة التصنيف، هي واحدة من الشركات الثلاث الرئيسية التي تختص في التصنيف الائتماني في الولايات المتحدة الأمريكيّة، جنبا إلى جنب مع وكالة موديز وفيتش. ومن المفترض أن يكون عملهم هو تقديم تحاليل موضوعيّة للخطر الائتماني  والاستثماري للشركات والبلدان المقرضة، ولكنّها على ما يبدو قد بدأت هذه الشركات في فقدان البعض من مصداقيّتها والميل حسب أهواء بارونات الأموال ولوبياتهم في العالم حيث تتقاطع فقط المصالح الماديّة بعيدا عن كلّ الأخلاقيّات بأنواعها.
فأثناء موجة ازدهار التطوير العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية وبضغط من لوبيات المحافظين الجدد أصدقاء جورج بوش الإبن، فقدت هذه الوكالة الكثير من مصداقيتها وضاعت مئات المليارات من الدولارات من أصول الكثير من الشركات تبين فيما بعد أن لا قيمة لها بعد أن صنفتها هذه الوكالة في درجات عالية .وقد دعت آنذاك لجنة من الكونغرس للتحقيق في الموضوع وحملت هذه الوكالة جزءا من المسؤولية في الدمار المالي الذي حدث في 2008.
وكما لا يخفى على الجميع، فإن هذه الوكالة بالذات كانت قد قدمت اعتذارا للشعب اليوناني على تصنيفاتها الخطأ التي أثرت سلبا على الحياة السياسية في اليونان في نهايات القرن الماضي. وقد أظهرت التحقيقات  أدلة على أن المحللين قد يخضعون لتضليلات كبيرة وفي بعض الأحيان لضغوطات مباشرة لإعطاء تقييمات مجانبة للحقيقة والصواب حماية لمصالح وأعمال بعض عملائها ورضوخا للوبيات سياسية مشبوهة أحيانا، وقد يكون ذلك بالتحديد ما حصل فيما يخص بلادنا مؤخرا.
ويحذر دائما النقاد من التضارب في المصالح الموجود في هذه الشركات، إذ أنه يتم دفع مبالغ مالية ومعلومات سرية مفيدة أو مضللة للشركات التي تقيم تصنيف الديون وقد شبهوا هذه الشركات بـمقيّمي المطاعم والفنادق الذين يجري اختيارهم من قبل رئيس الطهاة أو أصحاب الفنادق...
الخلاصة أن تصنيفات مؤسسة ستاندارد آند بورز ليست بتقارير اقتصادية بحتة وخدمات مالية مجردة عن الأهواء السياسية والإيديولوجية، بل على العكس فهي قد تخضع للكثير من الأجندات السياسية واللوبيات المشبوهة التي قد تستنجد بها بارونات الثورة المضادة.
وقد شكل الرّد السريع لصندوق النقد الدولي )بعد أقل من أسبوع من صدور ترقيم S&P  ( مفاجأة كبرى للمستبشرين بالتصنيف المنخفض الجديد من الذين أرادوا توظيفه للدعوة لحكومة إنقاذ وطني والانقلاب على الشرعية. فقد كان هذا الرد خير دليل على قرب ما ذهبنا إليه من واقع الحال ، فالاقتصاد الوطني في طريقه نحو التعافي والخروج من قمقم التعجيز والتعطيل الذي حوصر فيه منذ أن جرت الرياح بما لا يشتهي سَفن لوبيات الإيديولوجيات البالية والثورة المضادة.  

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire