mardi 7 août 2012

الشعبويّة خطر يهدّد الثورة



مازالت بلادنا رغم مرور أكثر من عام ونيف على الثورة، تعاني من بعض مخلّفاتها وتداعيّاتها على مستويات عدّة، زادها إصرار متمعشي النظام البائد على توتير الأوضاع من أجل الحفاظ على مميزاتهم ومصالحهم الذاتيّة، سوءا. الشيء الذي يحتّم على كلّ عقلاء أهل العقد والحلّ من السياسيين والنقابيين وممثلي المجتمع المدني، العمل بجهد من أجل الحفاظ على وحدة المجموعة الوطنيّة ومصلحة البلاد العليا. فالعدوّ الأوّل والوحيد للتونسي اليوم في بلاده، هو الفقر وتبعاته من تهميش وبطالة وجهل وغيرها.
إلاّ أنّ بعض السلوكات والخطابات الشعبويّة التي نسمعها ونراها بين الحين والآخر من هنا وهناك لا يمكن إلاّ أن تزيد الوضع تأزّما، سواء عبر وسائل الإعلام أو في المواقع الاجتماعيّة التي فتحت المجال على مصراعيه لترويج الأفكار مهما كانت خلفياتها وغاياتها وأساليبها ولغاتها مكتوبة كانت أو مرئيّة أو مسموعة، دون منع أو رقابة. وهو ما جعل خطابات كثيرة تلقى رواجا على مثل هذه المواقع دون كبير جهد وعناء، وتكون على غاية من الخطورة والحساسيّة مثل خطابات العنصريّة والتحريض والشتم والتكفير والاستنقاص من شخص أو حزب أو جهة ما في البلاد وبأساليب مبتذلة أحيانا، بل وقد تنخرط في ذلك أيضا بعض وسائل الإعلام بقصد أو غير قصد فتزيد الأزمة حدّة.
والشعبويّة بماهي كلّ فعل أو قول يرضي فئة معيّنة من الشعب دون أخرى، لا يمكن أن تدلّ إلاّ عن ضعف إدراك أصحابها وعجزهم عن التعامل مع واقع الاختلاف والتناقضات المطروحة على الساحة الاجتماعيّة أو السياسيّة أو الاقتصاديّة وغيرها. فكلّ قليل فهم وإدراك وضعيف حجّة ودليل لا يمكن له حينما تتعارض مصالحه مع واقع بعينه إلاّ أن يكون شعبويّا ويتمادى في استعمال الخطابات الشعبويّة المفصّلة على مقاس فئة من المجتمع وشريحة دون أخرى.
فالذين يستعملون خطابات التفريق ويروّجون لمقولات التحريض والتباغض بين فئات المجتمع التونسي، التي اصطّفت يوما مع بعضها البعض من أجل الوقوف في وجه نظام ظالم مستبدّ سرق وانتهك وقتل الشعب لعقود من الزمن، لا يمكن أن يكووا إلاّ شُعبويين لا يلتفتون لغير مصالحهم الضيّقة وغاياتهم الانتهازيّة ومآربهم المريبة، ولا تهمّهم مصلحة شعب أو عموم. وعليه يكون الذين ينادون بنبذ فئة من الشعب لا لشيء إلاّ لأنها تخالف عامّة الشعب قد سقطوا في الشعبويّة التي قد تتطوّر من الإطار الفكري الدعائي لتترجم وقائع على الأرض ويحصل ما لا يُحمد عُقباه كما وقع منذ شهور في مناطق عدّة من البلاد تحت غطاء ما يُسمى بالعروشيّة والنزعات القبليّة التي ظهرت فجأة على تركيبة مجتمعنا التونسي. والذين يعتلون المنابر ليُكفرون الناس أو يظهرون على وسائل الإعلام لترهيب المجتمع من بعض أفراده بسبب عقائدهم أو هيئاتهم، هم أيضا سقطوا في الشعبويّة والفئويّة، وهم أيضا عاجزون عن فهم الأمور وإدراك اللحظة الزمنيّة الراهنة والمتغيّرة والتي تغيّر كثيرا من الأمور والأفكار والحالات التي ينبغي أن تستوعبها العقول والنفوس القريبة منها بُغية التفاعل مع حركة الزمن وتطوّر الأحداث وتغيّر الحالات والعقليّات، وتجنّب السقوط في فخّ الشعبويّة التي كلّما بالغ فيه صاحبه ابتعد عن فهم الواقع ومسايرة المجتمع ومواكبة الحضارة.
ومن هنا يتبيّن لنا اليقين أنّ الشعبويّة والفئويّة ليست ظاهرة بقدر ماهي حالة اجتماعيّة وثقافيّة تفرضها المتغيّرات الزمنيّة التي عجز أصحابها عن فهم واقعهم الناجم عنها فاختاروا الهروب إلى الأمام وتبني خطب الشعبويّة. وهو ما يعني أنّ هذه الحالة تمثّل خطرا حقيقيّا محدقا بالثورة التونسيّة أو على الأقلّ ما تبقى منها إلى الآن..
 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire