lundi 6 août 2012

الكفاءة لقاح الثورة





ممّا لا شكّ فيه أنّه بعد أكثر من عام ونصف على الثورة، قد تحققت لبلادنا جملة من المكاسب والإنجازات، على عكس ما يدّعي البعض، خاصّة على مستوى الحقوق والحريّات الشيء الذي يوحي بأنّ البلاد تسير في الطريق الصحيح ولو بخطى بطيئة. ولكنّ التحدي الذي يطرح نفسه في هذا الإطار ليس فقط انتهاج المسار الصحيح في العمليّة السياسيّة نحو الإصلاح والنمّو وإنّما هو أيضا التمكّن من وسائل وآليّات الحفاظ على كلّ ما يمكن تسجيله من المكاسب والإصلاحات في مختلف المجالات.
ولسنا نرى في هذا السياق ما هو أضمن وأفضل من الكفاءة أوّلا والنزاهة ثانيّا في جميع حركات واختيارات الاعتماد والتنصيب والتوظيف في مختلف قطاعات الدولة لاسيما منها العموميّة، ذلك أنّ هذين المقاسين هما الضمانة الحقيقيّة للاتجاه في الطريق الصواب عمليّا وإجرائيّا والمحافظة على كلّ ما يمكن تحقيقه ضمن هذا الإطار.
فمعيار الكفاءة في النخب الآخذة بزمام الأمور الإداريّة والتسييريّة في البلاد على اختلاف تخصصاتها ومجالاتها، يحقق للمجموعة إلى جانب حماية المسؤوليّة الملقاة على عاتق صاحبها من الانهيار والتدهور أو الخروج عن السياق والوقوع في الاستعمالات الموّجهة أو التوظيف الذّاتي، نوعا من الاطمئنان المعنوي وتصفية المناخ العام لعمل ممّا يشّجع على مزيد البذل والعطاء في أيّ تخصص كان ومهما كانت الشروط المحددة لعمل المجموعة.
وللأسف الشديد لم تكن النخبة السائدة في النظام البائد كغيره من الأنظمة الدكتاتوريّة تُعتمد على أسس الكفاءة والأهليّة في مواقعها وتخصصاتها حيث يسود في مثل تلك الأجواء معيار المصالح الشخصيّة وتتحوّل بوصلة تطوير البلاد والسير بها نحو الأفضل إلى إرباء الثروات الخاصّة والسير بها نحو البنوك الأجنبيّة تحقيقا للمطامع والمطامح الذاتيّة وهو ما يدفع في ذات الوقت إلى التجنّي على كلّ ما يمكن أن يدخل ضمن بناء وهيكليّة الاعتماد والتعيير الصحيح في التنصيب والتوزيع في مختلف المواقع القياديّة في الإدارات والوزارات والمؤسسات الكبرى للدولة، حتى تقع النخبة القليلة التي يمكن أن توصف بالكفاءة والأهليّة تحت سطوة وسيطرة نخبة جديدة مزيّفة موصوفة بالجهل والانتهازيّة فإمّا ترضخ للأمر الواقع وتدخل تحت جناح الفساد الذي يطلب استعمالها بسبب جهله المطلق بتفاصيل الإدارة والتسيير وسعيه إلى اتخاذ الذرائع والحجب اللازمة عن المتتبعين والمعارضين، وإمّا يكون مآل نسبة هامّة من النخبة الحقيقيّة للبلاد التهميش والتضييق وحتى النفي والملاحقة.. وربّما يندرج التوصيف الثاني للظاهرة ضمن الوازع الأخلاقي الذي ينبغي أن يتوّفر في النخب كي تكون خطواتها العمليّة في الإطار الصحيح وفي المسار المطلوب.
لذلك كان شرط النزاهة والأمانة ونظافة اليد والذمّة من أهم المعايير التي ينبغي أن تتصف بها النخبة إذا ما أرادت السلطة حفظ النظام وضمان التقدم في الطريق السليمة التي لا تنتهي بحاجز غالبا ما يكون سببه انتشار الظلم الموذن بخراب العمران على حدّ تعبير العلاّمة ابن خلدون. ومن أهمّ أسباب تفشي الظلم في المجتمع والدولة بصفة آليّة هو انحياز السلطة بمختلف مكوّناتها عن استعمال الآليّات السليمة في تحقيق أمن النظام واستقرار المجموعة داخل الدولة، الشيء الذي يؤدي ضرورة إلى انتشار سلوكات خطيرة في النخب المسيطرة على دواليب الحكم والإدارة مثل الغش والرشوة والانتهازيّة والظلم والسرقة والقتل وغيرها من مظاهر سوء التقدير في اختيار أداوات النظام ومنفذي أحكامه..
ومن هنا كان لابدّ للإدارة الجديدة أن تتّعض بدروس الماضي وأن تعلم جيّدا من وأين تضع محرّكات نظامها في إدارة وتسيير قطاعات الدولة العموميّة والتي انتشرت فيها الكثير من الأمراض السلوكيّة التي أصابتها بأنواع من الشلل الجزئّي جعلها رهينة عمليات دقيقة في التشخيص والإصلاح الذي ينبغي أن يتأسس على اختيارات مدروسة وآليّات ناجعة ودماء جديدة أكثر قدرة على التدّفق والعطاء والإضافة، ولن تكون هذه الاختيارات والأداوات ناجعة ما لم تبن على عاملي الكفاءة والنزاهة في التوظيف والتنصيب كي يكون كلّ في المكان الذي يناسبه..
يقول "فولتير" الحكيم: "سيصبح كل شيء على ما يرام ذات يوم .. هذا هو أملنا.. أما أن نقول أن كل شيء على ما يرام اليوم، فهذا هو الوهم".. لن نكون واهمين بل سنعمل جاهدين من أجل قطع دابر الوهم وإعادة دافع الأمل على أن تعود نُخبنا إلى مكانها الصحيح من أجل الإصلاح والتصحيح..

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire