dimanche 15 juillet 2012

تمنيت... ... لو تم تحييد رئيسي الجمهوريّة والحكومة عن التجاذبات السياسيّة في المرحلة الانتقالية القادمة


تعيش التجربة الديمقراطيّة التونسيّة الراهنة حالة من المخاض العسير، منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي كانت حبلى بالمفاجآت، بسبب كثرة التجاذبات بين الأطراف الحزبيّة الثلاثة التي فازت بنسب عالية من مقاعد المجلس، وكذلك تشابك المصالح واختلاف الآراء والتوجّهات بين مختلف عناصر الأحزاب الأكثر تمثيليّة صلب "التأسيسي". ولئن كان يحقّ لهذه المكوّنات السياسيّة التفاوض بشأن تكوين أوّل حكومة ديمقراطيّة في البلاد، ومن حقها كذلك الاختلاف على اعتبار أنّ اختلاف الآراء والتوّجهات وتنازع المصالح من أهمّ دواعي أيّة عمليّة تفاوضيّة، فإنّ هذه الأطراف مدعوّة بكلّ جديّة إلى وضع مصالح البلاد العليا ومكتسباتها التاريخيّة فوق كلّ الاعتبارات الذاتيّة والفئويّة التي من شأنها تعطيل المسار الديمقراطي المتباطئ أصلا ضمن المشهد السياسيّ التونسي منذ الرابع عشر من جانفي الفارط.
وكما أنّه من حق أصحاب الأغلبيّة في المجلس التأسيسي طرح أفكارهم وتصوّراتهم وأسماء مرشّحيهم للمرحلة القادمة، فإنّه من العدل والعقل أيضا أن يكون لأصحاب الأقليّة من المقاعد دورهم هم أيضا في رسم ملامح الطيف السياسي القادم في البلاد وإن كان من قبيل التشاور والتناصح، بل ومن الحكمة أيضا عدم تجاهل بعض القوى ذات الوزن السياسيّ الفاعل على الساحة والتي لم يسعفها الحظّ في الوصول إلى المجلس التأسيسي لأسباب مرحليّة مختلفة ومتعددة.
ومن هنا كان لابدّ للقوى السياسيّة الصاعدة في المرحلة المقبلة رسم خطوطها الاستراتيجيّة العريضة وخارطة طريقها في السير نحو التحوّل الديمقراطي، طلبا لنموذج سياسيّ منشود ومستحقّ، على اعتبار عنصري التفاعل والتشريك، وذلك مع مختلف الأحزاب السياسيّة ومكوّنات المجتمع المدني التي تزخر بالكفاءات والمشاريع الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة وغيرها..
ورغم أنّ جهود تشكيل حكومة ديمقراطيّة فعليّة قادرة على قيادة البلاد بكل ثقة وكفاءة في المرحلة القادمة، مازالت متعثّرة وتشوبها بعض الخلافات والتجاذبات التي تحددها أحيانا مواقف شخصيّة وأحكام متسرعة ومسبقة، فإنّ التوافق في هذه المرحلة منهج لابدّ من أخذه بعين الاعتبار والعمل على تحصيله بشتى الأثمان لأنّه يحدد المصلحة العامة للبلاد والشعب، ولأنّه الحلّ الأمثل للتقدم وتجاوز العراقيل والخلافات التي قد لا يكون وراءها غير إضاعة الوقت وإهدار الطاقة والمال.
ولاشكّ أنّ الخلاف بين بعض الفرقاء السياسيين حول مسألة مهام رئيس للجمهوريّة يمثل حاليّا أكبر عائق أمام اكتمال المشهد السياسيّ التونسي، وكذلك سعي أطراف إلى افتكاك بعض الحقائب الوزاريّة الحسّاسة التي قد لا يكون من الحكمة المجازفة بها في الفترة الراهنة. ولا نعتقد في هذا الإطار أنّ البلاد قد تتحمّل بعض المجازفات التي قد تأتي بمفاجآت كلّ المؤشرات لا تنبئ بإيجابيّتها، خاصّة وأنّ عديد القضايا والملفّات الشائكة والحسّاسة مازالت لم تحلّ بعد من قبيل ملفّات الفساد والمحاسبة، كما أنّ الإعلام والقضاء مازالا يعانيان من الوصاية والتوجيه من قوى سياسيّة قديمة وجديدة مختلفة.
ومن هذا المنطلق على صاحب الأغلبيّة في المجلس التأسيسي أن يقوم بدوره والتحرّك نحو تسريع الأمور أو إيجاد حلّ جذري يقطع مع كلّ انفلاتات سياسيّة والاجتماعية قد تكون نتائجها عكسيّة وغاية في السلبيّة على التجربة الديمقراطيّة التونسيّة.
ولعلّ هذه التجربة الصعبة والمخاض العسير الذي تمر به بلادنا بعد فترة قاسية من الدكتاتوريّة والظلم، يتطلبّان فكرا استباقيّا وحلولا جذريّة لأكثر المناصب حساسيّة في البلاد عموما والتشكيلة الحكوميّة على وجه الخصوص، ونعني بالذكر هنا منصبي رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة اللذين من المصلحة العامة للبلاد أن يكونا، إلى جانب الإدارة ككلّ، في استقلاليّة تامّة عن مكوّنات المجتمع السياسيّ ويكونا منتخبين على اعتبار استقلاليّة أصحابها وبعض الصفات الأساسيّة التي تتطلبها شخصيّة في مستوى هذين المنصبين على غرار الكاريزما والبراغماتيّة. ونكون بذلك قد وفّرنا مجهودات كبيرة ووقتا قد يكون أثمن من أن نهدره في النقاشات والخلافات والتجاذبات السياسيّة التي تضيق بها مستويات ومتطلّبات مرحلة الانتقال نحو الاستقرار الديمقراطي في بلد يفخر بأنّه غيّر بثورته خارطة العالم السياسيّة وأصبح قدوة تحتذى.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire