vendredi 27 juillet 2012

مقترحات لأفكار يمكن أن تضمن في مشروع قانون تأسيسي يتعلّق بحياديّة بيوت الله عن الخطابات الحزبيّة


من المعلوم أنّ التغييرات والتطوّرات الحاصلة على الساحة الوطنيّة وخارطة الأحزاب السياسيّة والتيّارات الإيديولوجيّة منذ قيام الثورة وإلى اليوم، قد ألقت بظلالها بشكل واضح وجليّ على عدّة مساحات وفضاءات أخرى لاسيما منها الفضاء المسجدي الذي يختّص بجانب روحي مقدّس لدى كافّة المسلمين وهو ما يجعل الواجب منّا يقتضي العمل على النأي به عن كلّ ما يُمكن أن يمسّ من هذه القثدسيّة وهذه المكانة الخاصّة للمسجد في مجتمع تونسي مسلم يشهد نوعا من التحوّلات الجذريّة على كافّة المستويات منها على وجه الخصوص الجانب الفكري والإيديولوجي والديني.
ومن هذا المنطلق جاء سعيُنا إلى العمل على محاولة الابتعاد ببيوت الله عن كلّ الصراعات والتجاذبات الحزبيّة والمذهبيّة الضيّقة التي يمكن أن تلعب دورا كبيرا في تفكيك وحدة المجتمع وتقسيمه تقسيمات فئويّة مذهبيّة تهدد السلم الاجتماعيّة وتبتذل الخطابات الدينيّة والمنبريّة وتنحرف بها نحو التوظيف السياسي والحزبي والمذهبي وهو ما لا يخدم مصلحة البلاد خاصّة في الوقت الراهن.
وقد رأينا نماذج عديدة لهذه المظاهر الخطيرة التي باتت تهدد مساجدنا في كلّ البلاد، رغم محاولات الوزارة والهياكل المعنيّة لحلّ مختلف المشاكل والأزمات الحاصلة في الموضوع. وللابتعاد عن هذه الأنماط والسلوكات المذهبيّة والحزبيّة المبتذلة، ولضمان سلامة وحياديّة بيوت الله عن كلّ الصراعات والتجاذبات الفئويّة، يقترح حزب الأمان جملة من الأفكار قد يحتويها مشروع قانون ستعمل مجموعة من الأحزاب ومكونات المجتمع المدني من أجل طرحه في المجلس الوطني التأسيسي والمصادقة عليه، يضع آليات لتنظيم تسيير المساجد بما يضمن حياديّة بيوت الله عن مختلف أشكال التحزّب والتفرّق المذهبي والطائفي الإيديولوجي، وحمايتها من خطابات التحريض والتشنّج والكراهية.
يجب أن ينُصّ القانون في بنوده التشريعيّة على أنّ المساجد والجوامع تتمتع بنوع من الاستقلالية في التسيير وأن يتم تركيز دور وزارة الشؤون الدينية على التمويل والتأطير والتقنين والمراقبة .
كما نقترح في هذا الإطار إنشاء هيئة وطنيّة مستقلّة لحماية المساجد والإشراف عليها تتكون من علماء دين وكبار الأئمّة يقع انتخابها ويُناط لها مهام حماية بيوت الله ورعايتها ومراقبتها تُعيّن بدورها هيئات جهويّة للغرض وتتمتع بميزانيّة خاصة وصبغة تنفيذيّة بالتعاون مع السلط الأمنيّة في حالة حدوث تجاوزات. وهو ما يعني سحب الوصاية المباشرة لوزارة الداخليّة على المساجد واختزال دورالسلط الأمنيّة فقط في حمايتها وتأمينها عند الضرورة بطلب من المشرفين عليها.
كما نود أن نقترح آليات يتم بموجبها تسيير المسجد من قبل لجنة أو جمعيّة أهليّة تكوّن في الغرض يقع انتخابها من قبل روّاد كلّ مسجد من المتساكنين، وهي معنيّة بترشيح الأئمّة والإطار المسجدي واختيارهم وقبولهم في صورة ترشيحهم من قبل الوزارة.
ومن هذا المنطلق ندعو الدولة ووزارة الإشراف أن يكون دورها في المساجد مقتصرا على:
1.     تفعيل مبدإ الإستقلالية في التسيير وضمان مبدأ الحيادية وفرضه بالقانون إن لزم الأمر.
2.     المراقبة الدورية للأنشطة وتقييم أداء الأئمة والوعاظ والواعظات ومحاسبتهم.
3.     الإدارة العقارية للمسجد وتأمين مصاريف المباني من ماء وكهرباء وصيانة.
4.     الإشراف على تكوين الأئمة والوعاظ والواعظات والخطباء والمؤدبين.
5.     الإشراف بالتعاون مع السلط المحلية على انتخابات الهيئة المديرة للمسجد من قبل رواد المسجد والأهالي المتساكينين من حوله.
6.     اعتماد الهيئة المديرة المنتخبة والمصادقة على انتخاب المسيرالإداري للمسجد.
7.     اختيار إمام خمس وإمام جمعة خطيب من بين 5 مرشحين يتم ترشيحهم من طرف الهيئة المديرة.
لا بد من تسيير المساجد بطريقة موحدة
نموذج لإدارة المساجد

بناء على ما سبق يمكننا القول بأنّ دور الفضاء المسجدي اليوم بصدد التعاظم وذلك لعدّة اعتبارات تخضع أساسا للتطوّرات الحاصلة على الساحة الوطنيّة بشكل عام. ويقتضي هذا الدور الأساسي للمساجد في بناء الفرد والمجتمع، إيلاء هذه المؤسّسة الدينيّة أهميّتها التي تستحق في إطار السعي إلى تحصين المجتمع التونسي من مظاهر الفوضى والفتنة والانفلات.
وكمّا بيّنا سابقا يمكن للجمعيّات أو اللجان الأهليّة المنتخبة لتسيير بيوت الله أن تلعب دورا مهمّا في حفظ المساجد ورعايتها وحمايتها من بذور التحزّب والمذهبيّة الجوفاء وما يُمكن أن ينجّر عنهما من حقد وكراهيّة وتحريض واعتداءات.
والمُقترح أن تكون هذه الجمعيّات متركبّة من أربعة إلى سبعة أعضاء يتمّ انتخابهم يرأسهم رئيس اللجنة ويُعيّن نائبا له إلى جانب أمين المال والكاتب العام والأعضاء، ويقع انتخاب اللجنة مرّة كلّ سنتين على أن لا تتجاوز فترة رئيس اللجنة السنتين وذلك لضرورة وأهميّة التداول على هذا المركز كي لا ينحصر المنصب لشخص بعينه. كما يُعتبر الإمام وخطيب الجمعة والمؤذّن من أعضاء اللجنة الدائمين غير منتخبين، وذلك لتيسير عمليّة تسيير المسجد والاعتناء به كما يليق ببيت من بيوت الله على الوجه الأكمل.
كما يُمكن للجنة الإداريّة للمسجد، لاسيما في المساجد والجوامع الكبرى، أن تنتخب مع المصلين لجان أخرى فرعيّة للمسجد تتركب من ثلاثة أفراد على الأقل توكل إليها المهام الاجتماعيّة واللوجستيّة والأمنيّة والدعويّة والخيريّة  تعمل من أجل تنظيم الدروس والمحاضرات والمسابقات القرآنيّة وجمع التبرّعات وغيرها.. وذلك في إطار تفعيل المكانة الحقيقيّة للمسجد التي تتجاوز مجرّد كونها بيوت للعبادة إلى مهام أخرى اجتماعيّة وأخلاقيّة وتربويّة..
وتتعامل اللجنة الإداريّة للمسجد ولجانها الفرعيّة مباشرة مع المندوبيّات الجهويّة والمحليّة للشؤون الدينيّة التي من المفترض أن تنفصل عن مقّار المعتمديّات والولايات تكريسا لمبدإ الشفافيّة والاستقلاليّة. وذلك في إطار ما تختصّ به وزارة الشؤون الدينيّة في التعامل مع المساجد حسب المقترحات الآنفة.
وفي هذا السياق وحسب المنوال المقترح يمكننا أن نضمن إلى حدّ ما حياديّة المساجد واستقلالتها التامّة عن كافّة محاولات التسييس والتحزيب لصالح فئات معيّنة كما يمكننا تجنب فتنة افتكاك المنابر وإنزال الأئمّة بعد أن توكل المهام الإداريّة والتسييريّة للجان الأهليّة.
جدير بالذكر أنّ هذا الطرح التسييري للمساجد ليس جديدا على الساحة الإسلاميّة فهو معمول به في عدّة دول إسلاميّة وعربيّة وشقيقة مثل الجزائر، وهي تعدّ نموذجا ناجحا رغم محاولات الوزارة أحيانا توجيه بعض المساجد الكبرى أو التأثير عليها إداريّا. إلاّ أنّه يمكن القول بأنّ هذا النموذج الإداري المطروح في تسيير بيوت الله يعدّ إنجازا مهمّا في البلاد خاصّة إزاء التنوّع والاختلاف الحاصل على الساحة الإسلاميّة وتعدد الفرق والطُرق والمذاهب الدينيّة التي تسعى لنشر أفكارها وعقائدها من خلال السيطرة على المنابر بصفة عشوائيّة وبمنطق القوّة والأمر الواقع، وهو ما يمكن تلافيه عند تطبيق المقترحات السالفة والتي ستفرز بطبيعتها تنوّعا في الخطابات المنبريّة دون الوقوع في الفتن والصدامات والاعتداء على حرمة المساجد ومنابر الجمعة كما حصل ويحصل حاليّا في بلادنا.
كما سيؤثر النمط الإداري المطروح للمساجد في نوعيّة الخطب والآداء العام للإطار المسجدي من حيث الجوانب الماديّة مثل العمل على تحسين أجور الأئمّة لمزيد التفرغ لمهامهم ، والمعنويّة حيث سيعمل الإطار على بذل مزيد من المجهودات بمهامهم وآدائها على أفضل الوجوه خاصّة فيما يتعلق بالجوانب التعليميّة والتربويّة والاجتماعيّة التي يمكن أن يضطلع بها الإطار الإداري للمسجد. وذلك مما لا شكّ فيه سينعكس على نوعيّة الخُطب والدروس الدينيّة ليرقى بها إلى مستوى أفضل. وهو ما من شأنه أن يبتعد بها عن التركيز على الخلافيّات ومهاجمة المخالفين والتحريض على التعصّب والتطرف الفكري عن طريق الانسياق وراء الخُطب الانفعاليّة والفئويّة.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire