dimanche 15 juillet 2012

منعرج خطير في المسار السياسي للبلاد


"الموت للسبسي" هل هو بداية الجهر بدعوة التطرف والعنف السياسي
تمرّ بلادنا اليوم دون شكّ بمرحلة صعبة وحسّاسة من تاريخها الوطني والسياسي، شهدت فيها تحوّلات جوهريّة ومفصليّة غيّرت الخارطة السياسيّة والفكريّة التي سادت في الأوساط الشعبيّة منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن. وهذا التغيّر الطارئ على الصورة النمطيّة للمشهد السياسي التونسي وان كانت فيه عديد الجوانب الإيجابيّة إلاّ أنّه أفرز أيضا بعض المظاهر والسلوكات التي لم يعشها مجتمعنا التونسي من قبل بسبب الوصاية والمحاصرة السلطويّة الاستبداديّة له.
ومن هذه المظاهر التي باتت تعطّل بشكل ملحوظ المسار السياسي الديمقراطي ببلادنا على سبيل الذكر وقوع فئة هامّة من مكوّنات المجتمع في التجاذبات السياسيّة والحزبيّة والصراعات الإيديولوجيّة الاستقطابيّة التي باتت تقسّم أفراد الشعب طوائف وشيع وتميّزهم حسب الانتماءات، وهو ما يشكّل خطرا فعليّا ومحدقا يحيد بالشعب وطاقاته عن القضايا الحقيقيّة والأولويّات الراهنة لاسيما الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة منها. لقد أصبحنا اليوم نقسم الشعب إلى فئات ومجموعات وتناسينا كون هذه المجموعات رغم اختلافاتها إلاّ أنّ ما يجمعها هو أكبر وأكثر بكثير ممّا يفرّقها.
فمن الإسلاميين والعلمانيين والتجمعيين والحداثيين الزنادقة إلى السلفيين والماركسيين الملحدين والدساترة الفرنكفونيين حتى وصلنا في بعض الأحيان إلى التراشق باتهامات التكفير الديني والتخوين السياسي. ولاشكّ أنّ هذا الانسياق الأعمى وراء هذه التقسيمات وتقكيك المجتمع وتصنيف فئاته وفق معايير خاطئة ووهميّة لا يخدم مصلحة البلاد ولا مصلحة الأحزاب السياسيّة والمجتمع المدني الذي انخرط للأسف في بعض الأحيان في هذه اللعبة الخطيرة فوصلت عدوى هذا التمييز الفئوي الديني والسياسي إلى النخبة التي من المفترض أن تكون حصنا ضدّ هذه الأفكار والانسياق الأعمى وراءها.
وان كان من حق كل فرد التعبير عن رأيه وحريّته المطلقة في ذلك إلاّ أنّ هذا الحق لا يمكن أن يصل إلى درجة الثلب والتجريح أو التعدي على الآخر بالتحريض ضدّه أو تهديده بأيّ شكل من الأشكال، بينما وضع البلاد لا يحتمل أصلا مثل هذه الانزلاقات بل ويستوجب العمل على رأب الصدع الذي سببته أطراف أخرى على مستوى الوحدة الوطنيّة لأسباب وغايات سياسويّة ضيّقة لا تمثل كل التونسيين.
ومن هذا المنطلق لابدّ لكل فرد ومسؤول يتمتع بأدنى مستويات الرصانة وروح المسؤوليّة ان يقف ضدّ هذا المنزلق الخطير ويحذّر منه عوض الوقوع في المس من كرامة أو أعراض الناس بشتمهم وسبابهم بدوافع خلافيّة غير مبررة من قبيل الهجمة التي ما فتئت تتزايد ضدّ الوزير السابق السيد الباجي قائد السبسي والتي انتقلت للأسف الشديد من المواقع الاجتماعيّة إلى المنابر السياسيّة تهكما ضدّ عمره الافتراضي أحيانا أو تهجما عليه تارة أخرى بالتحريض على العنف ضده بما لا يرقى أن يكون نقدا بناءا موضوعيا لتاريخه السياسي رغم العديد من سلبياته.
وان كنّا في هذا الصدد لسنا ندافع عن شخص بعينه ، نحن دون شكّ لا نتفق معه سياسيّا وفكريا، بقدر ما نستنكر سلوكا وظاهرة باتت تشق صفوفنا وتتعاظم بين الحين والآخر إلى درجة أن وصل الحد بأحد الرموز الدينيّة ، والذي من المفترض أن يكون داعيا وواعظا يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، إلى الدعوة إلى موت شخصية سياسية وطنية والدعوة إلى موت جميع من ناصروها ، بمجرّد الاختلاف معها ، خاصة إثر الاجتماع الذي حضره مؤخرا الرجل في المنستير كبادرة لتشكيل قوة سياسيّة جديدة في البلاد.
ونحن هنا إذ ندين بشدة مثل هذه الانزلاقات إلاّ أننا نبه في ذات الوقت إلى ماهو أخطر منها إذا تواصلت مثل هذه الخطابات على منابرنا السياسيّة والدينيّة ، والتي ستزيد دون شكّ من درجة الاحتقان لدى فئات كبيرة من الشعب ضدّ هذا الطرف أو ذاك وهو ما لا يخدم مصلحة البلاد العليا ولا أي طرف سياسي غير تنمية فكر التطرف وانتشار معاني التفرقة والكراهيّة ضدّ فئات عديدة من مكوّنات مجتمعنا التونسي المعتدل والذي يتطلع إلى حياة أفضل ومستوى عيش كريم.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire