lundi 11 février 2013

"فيلم قديم"...

فهمي هويدي يكتب: "فيلم قديم"...
المصدر: جريدة الشروق..

هذا فيلم قديم رأيناه من قبل. أن يعمد الساعون إلى إثارة الفتنة وتأليب الرأي العام إلى قتل أحد خصوم التيار الإسلامي لتوجيه أصابع الاتهام إلى الإسلاميين باعتبار أنهم خصوم إديولوجيون له

التاريخ التركي الحديث يحفل بمثل هذه المشاهد. وكان أحدثها ما وقع في شهر مايو من عام 2006، في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، حين اقتحم شاب اسمه ألب أرسلان أصلان مقر مجلس الدولة في أنقرة. وأطلق الرصاص على مجموعة من القضاة. الذين كانوا ينظرون في دعوى قدمت لطلب حل الحزب، فقتل واحدا منهم وأصاب أربعة بجراح، ثم فر هاربا.
ونقلت وسائل الإعلام عن قاضية من الذين كانوا قريبين من الحادث قولها إنها سمعته يصيح قائلا: نحن جند الله ــ الله أكبر.

اللقطة التي تصيدتها الأبواق العلمانية المخاصمة أشارت بأصابع الاتهام إلى حزب العدالة والتنمية قائلة إنه بعد أن تمكن من السلطة بدأ يصفي خصومه بمثل هذه الأساليب الإرهابية.

بعد تحقيق طويل تبين أن ضابطا متقاعدا من غلاة العلمانيين هو الذي حرض القاتل على أن يفعل فعلته، ودلت التحريات والاعترافات على أن ذلك الضابط على علاقة بمنظمة «أرجنكون» السرية التي شكلت إحدى ركائز الدولة العميقة في تركيا، ولم تتوقف عن تشويه واتهام الاتجاهات الإسلامية، بدعوى أنها تهدد العلمانية والجمهورية.

وقد تم القبض على الضابط المتقاعد وعلى الجاني، ولا يزال الاثنان في السجن إلى الآن، مع غيرهم من عناصر المنظمة الإرهابية التي فضحتها حكومة حزب العدالة والتنمية، ولا تزال تلاحق أعضاءها وتكشف أوراقها ومخططاتها طوال السنوات الماضية

هذه الخلفية تداعت إلى ذهني حين علمت بما جرى في تونس خلال الأيام القليلة الماضية، حيث تم قتل أحد أشد المعارضين للإسلاميين، القيادي اليساري شكري بلعيد، وهي الجريمة التي هزت المجتمع التونسي، واستنفرت قطاعات واسعة من الغاضبين. و جزء من المعارضين العلمانيين الذين تظاهروا ضد حكومة حركة النهضة ذات الخلفية الإسلامية
وقد تراوحت الاتهامات الموجهة إليها بين تحميلها المسؤولية عن قتل الرجل الذي كان خصما شرسا لها، وبين تهيئة الأجواء التي أدت إلى وقوع الجريمة.

لم تعرف نتائج التحقيقات الجارية في الجريمة بعد، لكن حملات قوى المعارضة استثمرت الجريمة في السعي للانقضاض على حكومة الأمر الذي يعني أن الهدف الذي سعى إليه قتلة شكري بلعيد يجري تحقيقه.

القصة ليست جديدة إذن، ولكنها في الحالة التونسية ساذجة أيضا. فبشاعة الجريمة لا جدال فيها، لكن توجيه الاتهام إلى حركة وحكومة النهضة يبعث على الدهشة والارتياب لا يصدقه أي عقل رشيد فالحركة هي أول متضرر في عملية القتل و خصومها أكبر المستفيدين فلا أن تكون لها أي علاقة بجريمة القتل ولا بتفجير الموقف الداخلي، حيث يفترض أن ينصب جهد حكومتها على إشاعة الاستقرار والانتقال بتونس إلى عصر جديد

ولكن من الواضح أن بعض القوى السياسية المخاصمة انتهزت الفرصة لتصفية حساباتها القديمة ضد الحركة من خلال إثارة الاضطرابات وإشاعة الفوضى والمطالبة بإسقاط الحكومة

هذه اللقطة الأخيرة لها شبيه بالحاصل في مصر هذه الأيام، حيث يشيع بعض خصوم الإخوان أن «جهازهم السري» (!) هو الذي يطلق الرصاص على المتظاهرين ويلقي بقذائف المولوتوف على قصر الاتحادية، لكي يبرر ذلك الإجراءات القمعية التي يمكن أن يلجأ إليها الرئيس مرسي.

وهو منطق ساذج بدوره، ويحاول إقناعنا بأن حزب هو الذي يسعى إلى إشاعة الفوضى لإفشال حكمه (!)

لقد قيل إن الغضب ريح تهب فتطفئ نور العقل،
ومن جانبي أيضا أن البغض والكراهية يفعلان الشيء ذاته فيعميان البصر ويعطلان البصيرة


0 commentaires:

Enregistrer un commentaire