mercredi 8 mai 2013

هم الثوار حقا... وحقهم ثابت لا ينكره عاقل... فما الحل؟

هُم الثوار حقا...
هم الفقراء والمهمّشون، في مناطقنا الداخلية الذين أطلقوا شرارة الثورة...
ثم ساندتهم النخبة لما سالت دماءهم الزكية وقودا للثورة واشتعلت أجسادهم الطاهرة لتنير درب الحرية...
هم ملّوا الفقر، والأكاذيب، والتّمييز، والفساد، والإستبداد، والظّلم، ويئسوا من تحقيق مطامحهم، تحت نظام بن علي الّذي تجاهل مطالبهم وطموحاتهم، وولم يستعمل معهم غير لغة التّهديد، والقمع.

هم أدركوا، عكس أغلبيّة المرَفَّهين، أنّ النّظام فاسد، لا يُرجى صَلاحُه، وأنّ الخيار الوحيدَ هو إزالته. أحسنوا التّحليل والفهم، ونفّذوا ما قرّروه.

هم يريدون الشّغل وتحسين الأجور، للعيش بكرامة... وهذا حقهم لا ينكره عاقل... لكن مع الأسف يريدون كل ذلك فورا...
هم لا يدرون كيف؛ لكنّهم موقنون أنّ ذلك ممكن، وأنّ الدّولة قادرة على تحقيق ذلك.

الحكومة الإنتقاليّة الأولى، بعد الثّورة، لم تنكر عليهم توقعاتهم وانتظاراتهم؛ بل سايرتها.
واصَل الأحزاب والسّياسيّون، بما فيهم أولئك الّذين كسبوا الإنتخابات، في نفس المنطق، وقدّموا نفس الوعود.
ثمّ أيّدت الحكومة الإنتقاليّة الثّانية تلك التوقعات بترفيع نفقات الدّولة، راصدة لذلك ميزانيّة تكميليّة، سخيّة، خاصّة لتمويل المشاريع التّنمويّة.

طبعا، لم تُحقِّق الحكومة الوعودَ كلّها؛ والقليلُ الّذي أوْفت به لم يأت بالنّتائج المترقَّبة؛ وبقي الوضع على ما كان عليه، بل وتأزّم أكثر لأن المطالب صارت تعجيزية.

النتيجة هو أنّ الدّولة أصبحت غير قادرة على توفير الشّغل بالسرعة المطلوبة والمتوقعة خاصة بين أصحاب الشهادات العليا ...
والدولة عاجزة على القضاء على البطالة التي تستفحل يوميا حتى في دول متقدمة في أوروبا ...
والدولة عاجزة على رفع الأجور ومستوى العيش... لأنها إن فعلت تداينت أكثر...

الحلّ يكمن في الصّراحة... وفي الصراحة راحة... على قول الوافي...
صارحوا الشعب لكي يخفض من توقعاته،، وابتعدوا عن الشعبوية ،، وروجوا للعقلانية ومنهج الواقعيّة.
الرفع من سقف التوقعات هو خداع... إمّا عند صياغة الوعد؛ أو عند عدم الوفاء به.

علينا أن ندرك، كما أدرك الّذين ثاروا، أنّ النّظام الّذي فشل وأدّى إلى ثورة لن ينجح ولن يحقّق المطلوب.
أيّ زعيم على رأس هذا النّظام، مهما كانت كفاءته، وشعبيّته، وعزيمته، سيفشل... 
لإنّ النّظام فاسد، كل النظام فاسد، لا فقط من كان على رأسه..
النّظام القديم سيعرقل الإصلاحات، وسيشلّ الحركة وسيفشل الحلول، ويبطل أيّ تغيير.

لا بد من اسقاط النظام ولا بد من تغييره جذريا بعد اسقاطه من العقول.
على أيّ حال، هذا هو معنى ومغزى الثّورة:تغيير النّظام...
نظام العمل... روتين العمل ... طريقة العمل... طريقة النظر للأشياء ... طريقة تقييم الأمور...
 لا يكفي تغيير القائمين على النظام فحسب، وحتى هذا فشلنا فيه بعد عامين من الثورة...
بل بلعكس هناك من يريد إرجاع وجوه "بجبوجية" من الأرشيف لتمسك بالنظام... بل ولتحيي النظام القديم... والمنظومة البائدة..

السّؤال: كيف نخرج من المأزق والدّوامة؟
الجواب: بالإتّفاق على ضرورة تحقيق الثّورة في تغيير النّظام والمنظومة.

ما هو النّظام؟
هي القوانين، الإجراءات، والأشخاص الّذين يُصدرونها ويطبّقونها، والهياكل والمؤسّسات المسخَّرة لذلك. هذا ما يجب أن نغيّره.
بدون وعي جماعيّ بضرورة تغيير النّظام، وتفويض سياسيّ لإنجاز الإصلاحات الجذريّة، الثّوريّة، بالفعل، لن نحقّق الأهداف والمطالب، والطّموحات المعقولة والمشروعة.

هناك سؤال يتبادر إلى الأذهان:
هل تتطلّب الإجراءات لفائدة المحتاجين إجراءات ضدّ الأغنياء والميسورين، كما يتصوّر أو يدعو إلى ذلك البعض؟ أولاند فرنسا حاول ذلك وفشل فشلا ذريعا...
هل أنّ مصلحة المحتاجين تأتي على حساب الميسورين؟؟
الجواب لا، كما سنرى، في ما يلي: 
الحلّ يكمن في زيادة الإنتاج، والإستثمار، والثّروة، ...
لا عقاب فئة، أو تعطيلُها، أو مجرّد توزيع الثّروة من جديد – إذ الثّروة الموجودة قليلة ولا تفي بالحاجة، لا على المدى الطّويل ولا حتّى القصير.

الحلّ ليس: من أين نأخذ؟ 
بل هو: كيف ننتج؟ 
كيف نصنع الثروة؟ 
كيف نحول الثورة إلى ثروة؟؟

التّوجّه الصّحيح، الّذي يحقّق الطّموحات، ويفتح الآفاق، ويخرجنا من الأزمة، هو، إذا:
·         إصلاحات هيكليّة، جذريّة، تُغيِّر النّظام، وتحرّر، وتحرّك، وتنمّي القطاع الخاصّ؛
·         دولة متفتّحة، مسؤولة، متجاوبة ومنسجمة مع الشّعب، ومصالحِه وطموحاتِه، لا منغلقةٌ على نفسها، ومصالحِها ومصالح موظَّفيها؛
·         تحرير مجال العمل والمبادرة، والأسواق، لزيادة الفرص، والإستثمار وحشد رؤوس الأموال.
  
ما هي الإجراءات العاجلة الّتي يمكن اتخاذها، خاصّة للمحتاجين؟
·         تحويل قدر أكبر من الدّعم إلى المحتاجين، في شكل إعانة إجتماعيّة؛
·         إعفاء المداخيل الدُّنيا من الضّريبة على الدّخل؛
·         إلغاء الإمتيازات والتّشجيعات الّتي يتمتّع بها أصحاب الدّخل المرتفع، وتحويلها إلى تخفيضات في الأداء على القيمة المضافة يستفيد منه المحتاجون وغيرُهم؛
·         إلغاء التّسعير على المواد الفلاحيّة وإنهاء التّوريد الّذي يخفّض أسعار هذه الموادّ، بتعلّة "تعديل السّوق"، والكفّ عن التّدخّل في هذه الأسواق، وذلك لرفع مداخيل الفلاّحين والمشتغلين في القطاع الفلاحيّ، الّذين غالبيّتهم من أصحاب المداخيل الدّنيا؛
·         إلغاء الإعانات والتّشجيعات للفلاحة، وتحويلها إلى إعانة إجتماعيّة للمحتاجين، وتخفيضات في الأداء على الدّخل الفرديّ وفى الأداء على القيمة المضافة؛
·         الكفّ عن توريد الموادّ الأساسيّة بغاية تخفيض أسعارها في السّوق المحلّي، "لتعديل السّوق"، وتحويل الخسائر الّتي تتكبّدها الحكومة من جرّاء هذه الصّفقات إلى إعانة إجتماعيّة وتخفيض ضرائب.

يقال أن الهدف من وراء الإعانات للفلاحة وتوريدِ الموادّ الأساسيّة هو تخفيض الأسعار "للمحافظة على الطّاقة الشّرائيّة للمستهلك." 
يمكن تحقيق نفس الهدف من خلال الإعانة الإجتماعيّة للمحتاجين فقط، وترفيعِ حصّتهم من الإعانات والتّعويضات، وتخفيض الضّرائب (على المداخيل وعلى الإستهلاك) على كلّ الشّرائح، بدون تدخّل الدّولة.
إن تحرير أسعار المواد الفلاحيّة، والإقلاع عن التّدخّل في أسواقها من أجل تخفيض أسعارها، سوف يرفع من مداخيل الفلاّحين والمشتغلين في الفلاحة. كما يرفع مداخيل المناطق المحرومة والمهمّشة، الّتي هي خاصّة فلاحيّة، ولا تتوفّر فيها الظّروف ولا البنية التّحتيّة لإنشاء مشاريع صناعيّة أو خدماتيّة، في أجل قصير.
بعبارة أخرى، الضّغط على أسعار الموادّ الفلاحيّة، وعلى دخل الفلاّح، وربحيّة الفلاحة، هو ضغط على المناطق الفقيرة، وحرمانُها من ثمرة مجهودها وعملها، لفائدة المناطق الأخرى – أي هو تصعيد للفوارق وزيادةٌ في الجَوْر.
لن نقدر على إنشاء مشاريع بسرعة كافية لتحسين ظروف الولايات الغربيّة، لكن يكمن أن نحسّن ربحيّة ونشاط ونموّ الفلاحة، الموجودة هناك، بسرعة وسهولة. ومن المرجّح أنّ تحسين ربحيّة الفلاحة سيؤدّي إلى تحسين المردود والجودة، نتيجة توفّر الإمكانيّات لذلك وزيادة المداخيل والمرابيح من جرّائه، وإلى رفع الإستثمار الفلاحيّ، وما يؤدّي إليه من تشغيل، ومداخيل وتنشيط للإقتصاد.

الخلاصة:
·         أحسَن المحرومون، المهمّشون فَهْمَ الوضع والخلاصَ منه، عن طريق الثّورة؛
·         طلباتهم ومطامحهم مشروعة ويجب السّعي على تحقيقها؛
·         لا تقدر الدّولة، خاصّة لوحدها، على تحقيق الشّغل والعيش الكريم؛
·         كما لا توفّر ذلك الإجراءات المناوئة للميسَّرين وتوزيعُ الثّروات؛
·         الحلّ هو تحقيق الثّورة، عن طريق الإصلاحات الهيكليّة، وتحرير الإقتصاد، وتحويل الدّولة لخدمة المواطن والإقتصاد؛ لكنّ النّتائج تتطلّب وقتا؛
·         في الإثناء، يجب إلغاء الإمتيازات والإعانات للميسورين؛ وتحويل الدّعم والإعانات للمحتاجين فقط؛ توخفيض الضّرائب لتحسين الطّاقة الشّرائيّة للجميع، وخاصّة المحتاجين؛ وتحرير أسعار وأسواق الموادّ الفلاحيّة، لرفع مداخيل الفلاّحين والمناطق الفلاحيّة، والنّهوض بهذا القطاع الهامّ والحسّاس.

السّؤال الأهم: هل نحن نقبل تصوّرات جديدة ومنطقا بديلا مبتكرا يغرد خارج السرب لإنجاح الثّورة؟

ربي يقدر الخير
إسكندر الرقيق

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire