jeudi 14 novembre 2013

وقفة مع منظومة الوقف

يُصرّ كثير من الناس، حتى من مصّاف النخبة الوطنيّة كلّ مرّة على التصدّي لكلّ ما يُمكن أن يحاول المجلس التأسيسي من سنه من تشريعات مبتكرة تساهم في دفع التنمية وإشراك المجتمع في ذلك، دون حتى أبسط إحاطة بالموضوع وحيثيّاته أو تثبّت في أسباب ونتائج الإجراء. وإن كان هذا الفعل يُطرح من باب النقد فإنّ النقد لا يكون إلاّ بنّاء ولا يكون بنّاء دون طرح البديل وقياس الأمور بكلّ موضوعيّة وتجرّد بعيدا كلّ البعد عن المعارك السياسيّة والإيديولوجيّة التي لا يمكن أن تفرز معارضة وطنيّة منتجة وفاعلة. وهو ما يؤدّي إلى دخول الممارسة السياسيّة عموما في حلقة مُفرغة لا يُمكن أن تؤدّي إلاّ إلى العودة إلى التفرّد بالرأي من جديد وعدم التشاركيّة السياسيّة في القرار والتداول على السلطة بعيدا عن التوافق المنشود.

والمؤسف أنّنا اليوم نرى ونسمع أحيانا نقدا من جهات إعلاميّة وأطراف سياسيّة بعيدة عن مفهوم النقد السليم والموضوعي، وأغرب ما رأينا مؤخرا استعمال بعض المقارنات لنقد بعض الإجراءات، خاصّة عندما يتعلّق الأمر بإجراءات أو خطوات ذات صبغة دينيّة، لا تتلائم مع السياق مطلقا بل تصل أحيانا إلى درجة المضحكات المبكيات.

ولعلّ المثال الأكثر وضوحا في هذا السياق تلك المقارنة التي روّجتها بعض صفحات التواصل الاجتماعي تنتقد مداولات المجلس الوطني التأسيسي في سبل إيجاد تشريعات متطورة لإعادة الأوقاف ، لتُظهره على أنّه شكل من أشكال التخلّف والرجعية والرجوع إلى الوراء. فلو علم كل هؤلاء وغيرهم ما لمنظومة وفكرة الأوقاف من فضل على المجتمع في القضاء على الفقر ودعم العلم والتعلم والبحوث ودعم الصحة والمستشفيات وإرساء العدالة الإجتماعية ونشر مبادئ التكافل والتضامن والتآزر، لما نشرت مثل تلك الصور والتعليقات الساذجة البلهاء على صفحات الفايسبوك.

فهل علم هؤلاء المغالطون وأتباعهم أن معظم مراكز البحوث في أمريكا وفي أوروبا وفي شرق آسيا وأمريكا اللاتينية على سبيل المثال تموّل من منظومة الوقف ( Concept of Endowment) . ولمن يريد المزيد عليه أن يدرس :
- تجربة جامعة هارفارد (من أكبر الأوقاف التعليمية في العالم)
- أو تجربة المستشفى الجامعي جونز هوبكنز (من أكبر الأوقاف الصحية في العالم) ...
- أو تجربة كارنغي أو السمثسونيان في الثقافة والفن...
- أو تجربة النرويج مثلا وهي دولة نفطية غنية ،،،
- أو تجربة الناسا كذلك إذ يمول جزء لا بأس به منها عبر نظم الأوقاف.

وهل يدري أولائك أن جوائز نوبل للعلوم والسلام تمول من نظام الأوقاف؟

وهل علموا أيضا أنه لولا الأوقاف لما أبدع من قبل ابن سينا وابن الهيثم والفرابي ولما بنيت البيمارستانات (المستشفيات) في بغداد ودمشق والقاهرة وتونس والرباط ولما استطاع العلماء أن يتفرغوا للعلوم بأصنافها وينتجوا لنا حضارة أبهرت مشارق الأرض ومغاربها؟؟

أم أنّه جهل أو تجاهل أحفاد عزيزة عثمانة التي مازال وقفها متأصلا ومتجسدا في مستشفاها إلى اليوم شاهدا على عظمة نظام الوقف والأحباس ودوره في التخفيف من هموم الناس وحل مشاكلهم بعيدا عن بيرقراطية الدولة القاتلة .

رسولنا الكريم أهدانا الدرر وعلّمنا العبر في أنظمة بناء المجتمع المتماسك ، وديننا فيه من الحكم الربانية والتعاليم الإنسانيّة ما جعل الغرب يستعيرها ويسخرها في لنفسه في التنمية بأنواعها فنجح وتقدّم.. وابتعدنا نحن عن هويتنا وديننا ففشلنا...

اتبعنا "زعيما" جاءنا من فرنسا "بالحداثة" فحاول مسخنا وسلخنا عن هويتنا، فألغى الأوقاف (الأحباس) حتي يحكم بقبضة من حديد ويسيطر على المال ومصادر التمويل،، فيكون المال ماله ، والإنجاز إنجازه، ولا يشاركه في ذلك أحد ، ويكون بذلك سيد الأسياد ، ومخلص البلاد ، وصاحب النعمة ، وحامي حمى الدين ، وغيرها من الألقاب الجوفاء الخاوية.

ألغينا نحن المسلمين الأوقاف ومنعناها بالقانون، واستفاد من هذه المنظومة الغرب وقننها في إطار قانوني مبدع ، ثم أبدع في تطبيقها واستغلالها الإستغلال الأمثل، فصدق من قال: ذهبت للغرب فوجدت الإسلام ولم أجد مسلمين ورجعت إلى بلادي فوجدت مسلمين ولم أجد الإسلام..

فمتى نترجم في بلادنا المعاني العليا والمقاصد الحقيقيّة للإسلام وتعاليمه السمحة النيّرة التي تحقق العدل والعدالة الإجتماعية بين الناس وتحرر جهود التنمية الحقيقية من استبداد الفرد والسلطة ؟؟

وربي يقدر الخير

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire