تونس أولا

فلا عاش في تونس من خانها * ولا عاش من ليس من جندها * نموت ونحيا على عهدها * حياة الكرام وموت العظام

إسكندر الرقيق

يعتبر اسكندر الرقيق من الكفاءات الشابة التي خرجت إلى النور من رحم ثورة الكرامة و ...

jeudi 23 août 2012

اقتصادنا هذه الأيام: بين مطرقة التضخم وسندان الاحتكار


بقلم إسكندر الرقيق
خبير اقتصادي وناشط سياسي

على إثر رضوخ الحكومة المؤقتة مؤخرا لمطالب الإتحاد العام التونسي للشغل في المفاوضات الإجتماعية المتعلقة بتعميم الزيادة في أجور أعوان الوظيفة العمومية ، والتي أقرت لأوّل مرة في تونس عن طريق زيادة مبلغ مالي مقطوع مقدّر بـ 70 دينارا خلافا لاعتماد نظام النسب المائوية المعهودة، ونظرا للظرف الاقتصادي الهش والحسّاس الذي تمرّ به بلادنا اليوم بعد أكثر من عام ونصف على اثورة، فإنّ المتتبّع للشأن الاقتصادي لا يمكن أن يُخفي تخوّفه وقلقه العميقين من التأثيرات المرتقبة لهذه الزيادات على حجم نفقات الدولة المتزايدة ومختلف تداعياتها على ميزانيّتها والوضع الاقتصادي العام بالبلاد، ممّا قد يؤدي إلى مظاهر تضخّم مالي خطيرة وغير قابلة للسيطرة، أو الإلتجاء للتداين بشروط مجحفة ومكبلة.
وإن ما شهدته مؤشرات الأسعار من إنفلاتات كبيرة في الأشهر القليلة الماضية قد لا يبرر الزيادة في الأجور في بلادنا في المرحلة الراهنة ، وفي وقت تقوم فيه الكثير من الدول الأوروبية بالضغط على نفاقاتها العمومية. فنرى مثلا حكومات اليونان وإيطاليا تتخذ اجراءات اقتصادية تقشفية مؤلمة، ونرى ألمانيا صاحبة الإقتصاد المنتج والمتماسك تتخذ نفس الإجراءات في سبيل الحفاظ على اقتصادها من الوقوع في مأزق التضخم وخطر الإنهيار.
ولا يسعنا هنا إلا أن نذكر بأن هذا الإجراء كان فلتة من فلتات حكومة السيد الباجي قايد السبسي غير مدروسة ومتسرعة انطلقت عشوائيا وانتقائيا، وحامت حولها شبهات وجدالات وتجاذبات عديدة إثر الانتخابات. ومن هذا المنطلق يمكن لنا أن نحصر تداعيات هذا الإجراء الذي سيكلّف ميزانيّة الدولة مئات المليارات من المليمات، في بعض النقاط المهمّة الأتية:
ü      هذه الزيادة شملت الطبقة المتوسطة من الشعب ومثّلت عـبئا حقيقيّا على الدولة بينما ظلّت قضايا التنمية الجهوية وملفات اجتماعية أخرى هامّة وذات أولويّة تمس الطبقة الفقيرة والمهمشة مؤجلة إلى اليوم ولم تلق معالجة ولا حلولا جذرية ناجعة على غرار ملفّات التشغيل والتنمية الجهويّة والبنية التحتيّة والتعليم والصحّة والمرافق العموميّة وغيرها.

ü     الزيادة في الرواتب سيترتب عليها آليا عجزا في الموازنة، والتي تشكو أصلا من ضغوطات كبيرة، لاسيما أمام تأخر الحكومة المؤقتة في بيع الأصول المصادرة من مؤسسات وشركات عائلات بن علي، وهو ما سيضطرها لاقتراض ألف مليون دولار أمريكي للوفاء بالتزامات ميزانيتها التكميليّة.

ü     تفاقم ظاهرة فقدان التنافسيّة في الانتاج في بلادنا خاصة أمام ترهّل الانتاجيّة الصناعية لاسيما في المؤسسات العمومية وبروز ضعف الكفاءة والتدريب والحرفيّة والانفلات الذي تشهده الإدارة التونسية والتي تشكو أصلا من حدة مظاهر التضخّم الإداري والبطالة المقنّعة والمقنّنة.

وأمام هذه الوضعيّة الصعبة، والتي يمكن أن تعمق من عجز ميزانيّة الدولة المنهكة أصلا، إضافة إلى تدهور مستوى عيش الفرد والمقدرة الشرائيّة لشرائح كبيرة من المجتمع، وتراجع قيمة الدينار التونسي في السوق المالية العالميّة وتقلص احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي، وكذلك بعد تراجع التصنيف الائتماني لتونس والذي سيعسر من فرص الإقتراض بشروط تفاضلية، لابدّ من طرح بعض الحلول وإن كانت آنيّة لمحاولة معالجة الحالة الاقتصاديّة الراهنة بعد الزيادات الأخيرة أو التنبيه إلى خطورتها على الأقّل، ولعلّ من أهمّها:

1.     مزيد  الفاعليّة في جباية الضرائب وتتبع كل المتهربين وترشيد عمليات الإنفاق الحكومي والذي يشهد أحيانا بعض الانفلاتات.

2.     إعادة هيكلة صندوق الدعم  هيكة شاملة لتخفيف العبء عليه بما يضمن توجيه هذا الدعم فقط لمستحقيه من الفئات المهمشة والمحرومة ، والحد من ظاهرة  تهريب المواد المدعمة.

3.     إلغاء كل رسوم الجمارك لواردات بلادنا من مكونات الأعلاف والصناعات الغذائية وتشجيع الإنتاج الفلاحي والحيواني ودعم صغار الفلاحين لضمان المزيد من المردودية في الإنتاج ، خاصة وأن العالم يشهد موجة من الجفاف قد أثرت سلبا على أسعار المواد الغذائية في العالم.  

4.     مزيد من الحرص والفاعلية في مراقبة الأسعار ومحاربة ظواهر الإحتكار والتهريب المفرط والمتزايد للمواد المدعمة والأساسية عبر الحدود.

5.     الحذر الشديد عند مراقبة مؤشرات التضخم واتباع سياسة نقدية رشيدة تبتعد كل البعد عن إغراءات تشغيل مطابع الأوراق النقدية والتي قد تؤدي إلا ما لا يحمد عقباه.  

6.     عدم الضغط على ميزانيّة الدولة بنفقات غير ضروريّة حاليا من قبيل التفكير في إقرار وصرف التعويضات للمتضررين من دكتاتورية العهدين البائدين وجبر أضرارهم الماديّة والمعنويّة، وإن كان ذلك حقا مشروعا لهم لا جدال فيه.
ولا يفوتني أن أدعو في هذا السياق وعبر هذا المنبر الإعلامي جميع الفرقاء السياسيين والمجتمع المدني والنقابات العمالية ومنظمات الأعراف والغرف المهنية إلى مراعاة المصلحة العامّة قبل المصلحة الخاصّة في جميع محطات المفاوضات الاجتماعيّة القادمة وعدم تعريض اقتصادنا الوطني لخطر الانهيار باسم المطالب الاجتماعيّة والحقوق المهنيّة، على الأقل إلى حين النجاح في مسار الإنتقال الديمقراطي وعودة مؤشرات التعافي الإقتصادي في بلادنا بصفة جدّية.
إنّ أيّ مساس بأسس المعادلة الاقتصادية الحساسة لبلادنا قد يُحدث خللا في التوازنات الاقتصاديّة نحن اليوم في غنى عنه. إذ أنه ليس من الحكمة في شيء أن نتدافع اليوم في جو من الحرية والديمقراطية لصياغة دستور مثالي للأجيال القادمة، ثم نسلمهم اقتصادا هشا سيظل مريضا ومنهكا لعشرات السنين تنعدم معه التنمية في الجهات والعدالة الإجتماعية بين الفئات ويحرم بالتالي شعبنا من الإزدهار والرخاء المنشودين واللذين قامت من أجلهما ثورة فاجأت العالم وجعلت كبريات اقتصاديات العالم تقف إكبارا واحتراما وإجلالا لتونس وشعبها.

samedi 11 août 2012

أنا آسف


لا نريد أن نكون سياسيين عاديين...
هذا ليس حلمنا ...
لا نريد إعطاء وعود فارغة ولا نريد أن ننجر مع الشعبوية فنضطر إلى الكذب...
نود أن نخدم الجميع ...
إذا كان ذلك ممكنا ...
جميع رجال ونساء بلادنا...
إن كان ذلك ممكنا...
نريد جميعا أن نساعد بعضنا البعض... فالوطنية تحتم علينا هذا...
يجب علينا جميعا أن نعيش ونسعد بسعادة الآخرين، وليس على بؤس الآخرين..
لا يجب أن نكره أويحتقر بعضنا البعض الآخر...
في هذا الوطن هناك متسع للجميع...
فتونس المعطاء غنية ويمكن أن توفر الرزق الكريم للجميع...
يمكن أن نبني حياة حرة وجميلة ، ولكن قد نتيه في الطري ...

لقد سمم الطمع أرواحنا ، وتحصنت الكراهية باختلافاتنا ؛ وبدأ البؤس يؤدي بنا إلى الهاوية وسفك الدماء...
لقد قمنا بثورة سريعة ، ولكن ابطأنا في فهم المرحلة وتجمدنا في تحديد متطلبتها وتحدياتها...
امتلكنا العلم ولبسنا ثوب "الحداثة" لكن فقدنا المعرفة ومكارم الاخلاق...
أكثر من الذكاء نحتاج إلى الإنسانية...
أكثر من العلم نحتاج إلى الرفق واللين...
من دون هذه الصفات ، سوف تكون الحياة في تونس عنيفة وسنفقد كل شي ...

يجب أن نكف عن الصراخ في الميادين وأن نصرخ لاجل الخير في الإنسان التونسي ؛ نصرخ للأخوة والمودة والحب بين أبناء شعبنا ، من أجل وحدة وطنية بعيدة عن الجهوية المفرقة والعروشية المضيعة

:للملايين من الرجال ، والنساء ، والأطفال الصغار، وضحايا النظام البائد أقول:
"لا لليأس."

البؤس الذي قد يمر بنا لفترة وجيزة ما هو إلا إعلان وفاة الجشع والفساد، والحقد الذي يعشش في قلوب رجال النظام البائد الذين يحاولون تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي والتنمية في البلاد .

وسوف ننجح في القضاء على الكراهية ، وسوف يفنى الطغاة..،
والسلطة التي أخذت من الشعب هي بصدد العودة الى الشعب...
وطالما أن هناك تضحية وهناك رجال ونساء يعملون وآخرون يستشهدون، فستعيش الحرية إلى...

mardi 7 août 2012

الشعبويّة خطر يهدّد الثورة



مازالت بلادنا رغم مرور أكثر من عام ونيف على الثورة، تعاني من بعض مخلّفاتها وتداعيّاتها على مستويات عدّة، زادها إصرار متمعشي النظام البائد على توتير الأوضاع من أجل الحفاظ على مميزاتهم ومصالحهم الذاتيّة، سوءا. الشيء الذي يحتّم على كلّ عقلاء أهل العقد والحلّ من السياسيين والنقابيين وممثلي المجتمع المدني، العمل بجهد من أجل الحفاظ على وحدة المجموعة الوطنيّة ومصلحة البلاد العليا. فالعدوّ الأوّل والوحيد للتونسي اليوم في بلاده، هو الفقر وتبعاته من تهميش وبطالة وجهل وغيرها.
إلاّ أنّ بعض السلوكات والخطابات الشعبويّة التي نسمعها ونراها بين الحين والآخر من هنا وهناك لا يمكن إلاّ أن تزيد الوضع تأزّما، سواء عبر وسائل الإعلام أو في المواقع الاجتماعيّة التي فتحت المجال على مصراعيه لترويج الأفكار مهما كانت خلفياتها وغاياتها وأساليبها ولغاتها مكتوبة كانت أو مرئيّة أو مسموعة، دون منع أو رقابة. وهو ما جعل خطابات كثيرة تلقى رواجا على مثل هذه المواقع دون كبير جهد وعناء، وتكون على غاية من الخطورة والحساسيّة مثل خطابات العنصريّة والتحريض والشتم والتكفير والاستنقاص من شخص أو حزب أو جهة ما في البلاد وبأساليب مبتذلة أحيانا، بل وقد تنخرط في ذلك أيضا بعض وسائل الإعلام بقصد أو غير قصد فتزيد الأزمة حدّة.
والشعبويّة بماهي كلّ فعل أو قول يرضي فئة معيّنة من الشعب دون أخرى، لا يمكن أن تدلّ إلاّ عن ضعف إدراك أصحابها وعجزهم عن التعامل مع واقع الاختلاف والتناقضات المطروحة على الساحة الاجتماعيّة أو السياسيّة أو الاقتصاديّة وغيرها. فكلّ قليل فهم وإدراك وضعيف حجّة ودليل لا يمكن له حينما تتعارض مصالحه مع واقع بعينه إلاّ أن يكون شعبويّا ويتمادى في استعمال الخطابات الشعبويّة المفصّلة على مقاس فئة من المجتمع وشريحة دون أخرى.
فالذين يستعملون خطابات التفريق ويروّجون لمقولات التحريض والتباغض بين فئات المجتمع التونسي، التي اصطّفت يوما مع بعضها البعض من أجل الوقوف في وجه نظام ظالم مستبدّ سرق وانتهك وقتل الشعب لعقود من الزمن، لا يمكن أن يكووا إلاّ شُعبويين لا يلتفتون لغير مصالحهم الضيّقة وغاياتهم الانتهازيّة ومآربهم المريبة، ولا تهمّهم مصلحة شعب أو عموم. وعليه يكون الذين ينادون بنبذ فئة من الشعب لا لشيء إلاّ لأنها تخالف عامّة الشعب قد سقطوا في الشعبويّة التي قد تتطوّر من الإطار الفكري الدعائي لتترجم وقائع على الأرض ويحصل ما لا يُحمد عُقباه كما وقع منذ شهور في مناطق عدّة من البلاد تحت غطاء ما يُسمى بالعروشيّة والنزعات القبليّة التي ظهرت فجأة على تركيبة مجتمعنا التونسي. والذين يعتلون المنابر ليُكفرون الناس أو يظهرون على وسائل الإعلام لترهيب المجتمع من بعض أفراده بسبب عقائدهم أو هيئاتهم، هم أيضا سقطوا في الشعبويّة والفئويّة، وهم أيضا عاجزون عن فهم الأمور وإدراك اللحظة الزمنيّة الراهنة والمتغيّرة والتي تغيّر كثيرا من الأمور والأفكار والحالات التي ينبغي أن تستوعبها العقول والنفوس القريبة منها بُغية التفاعل مع حركة الزمن وتطوّر الأحداث وتغيّر الحالات والعقليّات، وتجنّب السقوط في فخّ الشعبويّة التي كلّما بالغ فيه صاحبه ابتعد عن فهم الواقع ومسايرة المجتمع ومواكبة الحضارة.
ومن هنا يتبيّن لنا اليقين أنّ الشعبويّة والفئويّة ليست ظاهرة بقدر ماهي حالة اجتماعيّة وثقافيّة تفرضها المتغيّرات الزمنيّة التي عجز أصحابها عن فهم واقعهم الناجم عنها فاختاروا الهروب إلى الأمام وتبني خطب الشعبويّة. وهو ما يعني أنّ هذه الحالة تمثّل خطرا حقيقيّا محدقا بالثورة التونسيّة أو على الأقلّ ما تبقى منها إلى الآن..
 

lundi 6 août 2012

لمن ينتقدون اليوم منظومة الأوقاف والزكاة

لو علم كل الناس في بلادي ما لمنظومة الزكاة وفكرة الأوقاف من فضل على المجتمع في القضاء على الفقر ودعم العلم والتعلم والبحوث ودعم الصحة والمستشفيات وإرساء العدالة الإجتماعية ونشر مبدأ التكافل، لما نشرت اليوم صورة غبية على الفايس بوك وتداولها الجاهلون بتنبيرة التونسي المعهودة ، وهي تقارن إنجازات الناسا في غزو الفضاء بقرار وزارة الشؤون الدينية الشروع في دراسة سبل إرجاع مفهوم الوقف للحياة في تونس وإحياء فريضة الزكاة وركن الإسلام الرابع 

هل علمتم أن معظم مراكز البحوث في أمريكا وفي أوروبا وفي شرق آسيا وأمريكا اللاتينية تمول من منظومة الوقف ( Concept of Endowment) ... (ولتدرسوا تجربة النرويج مثلا وهي دولة نفطية غنية )
هل تدرون أن جوائز نوبل للعلوم والسلام تمول من أوقاف ...
وهل علمتم أنه لولا الأوقاف لما أبدع ابن سينا وابن الهيثم والفرابي ولما بنيت البيمارستانات (المستشفيات) في بغداد ودمشق والقاهرة وتونس والرباط ولما استطاع العلماء أن يتفرغوا للعلم...
إنه الجهل أو التجاهل... يا أحفاد عزيزة عثمانة التي مازال وقفها متأصل ومتجسد في مستشفاها... فيقوا على رواحكم ... 
رسولنا أهداكم الدرر في أنظمة بناء المجتمع المتماسك ،،، وديننا فيه من الحكم الربانية ما جعل الغرب يستعيرها ويسخرها في التنمية ...ابتعدنا عن هويتنا وديننا ففشلنا ... اتبعنا طرطورا جاءنا من فرنسا بدعوى الحداثة فمسخنا وسلخنا عن هويتنا ، فألغى الأوقاف (الأحباس) حتي يحكم بقبضة من حديد ويسيطر على المال ومصادر التمويل... فيكون المال ماله والإنجاز إنجازه ولا يشاركه في ذلك أحد ويكون بذلك سيد الأسياد ومخلص البلاد وصاحب النعمة والمجاهد الأعظم...
وصدق من قال: ذهبت للغرب فوجدت الإسلام ولم أجد مسلمين ورجعت للبلادي فوجدت مسلمين ولم أجد الإسلام









الكفاءة لقاح الثورة





ممّا لا شكّ فيه أنّه بعد أكثر من عام ونصف على الثورة، قد تحققت لبلادنا جملة من المكاسب والإنجازات، على عكس ما يدّعي البعض، خاصّة على مستوى الحقوق والحريّات الشيء الذي يوحي بأنّ البلاد تسير في الطريق الصحيح ولو بخطى بطيئة. ولكنّ التحدي الذي يطرح نفسه في هذا الإطار ليس فقط انتهاج المسار الصحيح في العمليّة السياسيّة نحو الإصلاح والنمّو وإنّما هو أيضا التمكّن من وسائل وآليّات الحفاظ على كلّ ما يمكن تسجيله من المكاسب والإصلاحات في مختلف المجالات.
ولسنا نرى في هذا السياق ما هو أضمن وأفضل من الكفاءة أوّلا والنزاهة ثانيّا في جميع حركات واختيارات الاعتماد والتنصيب والتوظيف في مختلف قطاعات الدولة لاسيما منها العموميّة، ذلك أنّ هذين المقاسين هما الضمانة الحقيقيّة للاتجاه في الطريق الصواب عمليّا وإجرائيّا والمحافظة على كلّ ما يمكن تحقيقه ضمن هذا الإطار.
فمعيار الكفاءة في النخب الآخذة بزمام الأمور الإداريّة والتسييريّة في البلاد على اختلاف تخصصاتها ومجالاتها، يحقق للمجموعة إلى جانب حماية المسؤوليّة الملقاة على عاتق صاحبها من الانهيار والتدهور أو الخروج عن السياق والوقوع في الاستعمالات الموّجهة أو التوظيف الذّاتي، نوعا من الاطمئنان المعنوي وتصفية المناخ العام لعمل ممّا يشّجع على مزيد البذل والعطاء في أيّ تخصص كان ومهما كانت الشروط المحددة لعمل المجموعة.
وللأسف الشديد لم تكن النخبة السائدة في النظام البائد كغيره من الأنظمة الدكتاتوريّة تُعتمد على أسس الكفاءة والأهليّة في مواقعها وتخصصاتها حيث يسود في مثل تلك الأجواء معيار المصالح الشخصيّة وتتحوّل بوصلة تطوير البلاد والسير بها نحو الأفضل إلى إرباء الثروات الخاصّة والسير بها نحو البنوك الأجنبيّة تحقيقا للمطامع والمطامح الذاتيّة وهو ما يدفع في ذات الوقت إلى التجنّي على كلّ ما يمكن أن يدخل ضمن بناء وهيكليّة الاعتماد والتعيير الصحيح في التنصيب والتوزيع في مختلف المواقع القياديّة في الإدارات والوزارات والمؤسسات الكبرى للدولة، حتى تقع النخبة القليلة التي يمكن أن توصف بالكفاءة والأهليّة تحت سطوة وسيطرة نخبة جديدة مزيّفة موصوفة بالجهل والانتهازيّة فإمّا ترضخ للأمر الواقع وتدخل تحت جناح الفساد الذي يطلب استعمالها بسبب جهله المطلق بتفاصيل الإدارة والتسيير وسعيه إلى اتخاذ الذرائع والحجب اللازمة عن المتتبعين والمعارضين، وإمّا يكون مآل نسبة هامّة من النخبة الحقيقيّة للبلاد التهميش والتضييق وحتى النفي والملاحقة.. وربّما يندرج التوصيف الثاني للظاهرة ضمن الوازع الأخلاقي الذي ينبغي أن يتوّفر في النخب كي تكون خطواتها العمليّة في الإطار الصحيح وفي المسار المطلوب.
لذلك كان شرط النزاهة والأمانة ونظافة اليد والذمّة من أهم المعايير التي ينبغي أن تتصف بها النخبة إذا ما أرادت السلطة حفظ النظام وضمان التقدم في الطريق السليمة التي لا تنتهي بحاجز غالبا ما يكون سببه انتشار الظلم الموذن بخراب العمران على حدّ تعبير العلاّمة ابن خلدون. ومن أهمّ أسباب تفشي الظلم في المجتمع والدولة بصفة آليّة هو انحياز السلطة بمختلف مكوّناتها عن استعمال الآليّات السليمة في تحقيق أمن النظام واستقرار المجموعة داخل الدولة، الشيء الذي يؤدي ضرورة إلى انتشار سلوكات خطيرة في النخب المسيطرة على دواليب الحكم والإدارة مثل الغش والرشوة والانتهازيّة والظلم والسرقة والقتل وغيرها من مظاهر سوء التقدير في اختيار أداوات النظام ومنفذي أحكامه..
ومن هنا كان لابدّ للإدارة الجديدة أن تتّعض بدروس الماضي وأن تعلم جيّدا من وأين تضع محرّكات نظامها في إدارة وتسيير قطاعات الدولة العموميّة والتي انتشرت فيها الكثير من الأمراض السلوكيّة التي أصابتها بأنواع من الشلل الجزئّي جعلها رهينة عمليات دقيقة في التشخيص والإصلاح الذي ينبغي أن يتأسس على اختيارات مدروسة وآليّات ناجعة ودماء جديدة أكثر قدرة على التدّفق والعطاء والإضافة، ولن تكون هذه الاختيارات والأداوات ناجعة ما لم تبن على عاملي الكفاءة والنزاهة في التوظيف والتنصيب كي يكون كلّ في المكان الذي يناسبه..
يقول "فولتير" الحكيم: "سيصبح كل شيء على ما يرام ذات يوم .. هذا هو أملنا.. أما أن نقول أن كل شيء على ما يرام اليوم، فهذا هو الوهم".. لن نكون واهمين بل سنعمل جاهدين من أجل قطع دابر الوهم وإعادة دافع الأمل على أن تعود نُخبنا إلى مكانها الصحيح من أجل الإصلاح والتصحيح..

vendredi 3 août 2012

لوبيّات الثورة المضادّة




ليس غريبا اليوم في ظلّ ما تشهده بلادنا من تجاذبات حزبيّة وسياسيّة وتنازع في المصالح الفئويّة بين عديد الأطراف في ظلّ معادلة صعبة في مستوى موازين القوى السياسيّة ومراكز الثقل الشعبيّة بين الفرقاء السياسيين بما فيهم أحزاب الترويكا  الحاكمة  من ناحية وأحزب المعارضة لاسيما الراديكاليّة منها من ناحية أخرى، أن تندفع عديد القوى الخارجيّة إلى تسطير مجالات تحركها على الساحة الوطنيّة ضمن معركة خفيّة في البحث عن النفوذ وتقسيم الأدوار بين السلطة والمعارضة على ضوء خارطة جيوسياسيّة معقّدة ومتداخلة الخيوط والمصالح، حتى انتقلت بعض جولات هذه التجاذبات السياسيّة إلى خارج البلاد في محاولات للتأثير أو الاستفادة من عديد المنظمات والمؤسسات الأجنبيّة، لعلّ من بينها ستاندرز آند بورز الأمريكيّة..
عندما رأيت مؤخرا التصنيف الائتماني لبلادنا تساءلت: كيف يكون وضع تونس مباشرة بعد الثورة أفضل من الوضع الحالي بعد الانتخابات، في ظل وجود حكومة شرعية ومجلس تأسيسي واستقرار أمني نسبي مقارنة بزمن القصبة 2 و3 والإعتصامات العشوائية التي كانت ستعصف بحكومة السيد الباجي قايد السبسي أنذاك وباقتصاد البلاد.  لماذا لم تخفض ستاندر آند بورز الترقيم الإئتماني في أي من تقاريرها في السنة الماضية عند تقييمها لاقتصاد تونس مع العلم أنه كان هناك (ولا يزال) من يدعو الحكومة والشعب التونسي للتوقف عن تسديد الديون وإعادة جدولتها وتحويل مخصصاتها للتنمية ؟ عندها فقط من المؤكّد أنّنا كنا سننزل إلى أسفل سلم التصنيف الائتماني وتكون الطامة الكبرى على الاقتصاد الوطني.

وعندما تابعت عن قرب أكبر اكتتاب عام في تاريخ العالم لشركة فايس بوك التي قيمت بأكثر من 100 مليار دولار (ما يعادل ميزانية تونس لستة سنوات قادمة) وقرأت تقييمات بعض الخبراء الذين اعتبروا أن هذا التقييم يصل لحد الاحتيال المقنن بتواطؤ شركات التقييم الأمريكية وبارونات الاستثمار أمثال مورغن ستانلي ، تساءلت أيضا: أين ستاندرد أند بورز وأين مؤشرها في بورصة نيويورك وتقاريرها لحماية المستثمرين من الوقوع في فخ الجشع؟ كيف تقيم شركة بـ 100 ضعف أرباحها السنوية والكل صامت وفرحان؟؟ بعد أقل من 48 ساعة من الطرح، خسرت فايس بوك خمس قيمتها السوقية. فهل سيتحول أكبر اكتتاب في تاريخ العالم إلى أكبر عملية احتيال في تاريخ البشرية.

وعندما اطلعت على خبر خسائر مورغن ستانلي في أيام قليلة جدا قدرت مبدئيا بـ 2 مليار دولار في عمليات مضاربة في عدة صناديق تحوّط ، تساءلت كذلك: كيف لم تتنبأ شركات التقييم بهذه المخاطر وكيف لم تكشف في الوقت المناسب للرأي العام عن الفساد الكبير في إدارة هذه الصناديق..؟ أين ستاندر أند بورز من كل هذا؟ وأين الحوكمة والشفافية التي تراقبها وتقيمها؟؟...
مؤسسة ستاندرد اند بورز صاحبة التصنيف، هي واحدة من الشركات الثلاث الرئيسية التي تختص في التصنيف الائتماني في الولايات المتحدة الأمريكيّة، جنبا إلى جنب مع وكالة موديز وفيتش. ومن المفترض أن يكون عملهم هو تقديم تحاليل موضوعيّة للخطر الائتماني  والاستثماري للشركات والبلدان المقرضة، ولكنّها على ما يبدو قد بدأت هذه الشركات في فقدان البعض من مصداقيّتها والميل حسب أهواء بارونات الأموال ولوبياتهم في العالم حيث تتقاطع فقط المصالح الماديّة بعيدا عن كلّ الأخلاقيّات بأنواعها.
فأثناء موجة ازدهار التطوير العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية وبضغط من لوبيات المحافظين الجدد أصدقاء جورج بوش الإبن، فقدت هذه الوكالة الكثير من مصداقيتها وضاعت مئات المليارات من الدولارات من أصول الكثير من الشركات تبين فيما بعد أن لا قيمة لها بعد أن صنفتها هذه الوكالة في درجات عالية .وقد دعت آنذاك لجنة من الكونغرس للتحقيق في الموضوع وحملت هذه الوكالة جزءا من المسؤولية في الدمار المالي الذي حدث في 2008.
وكما لا يخفى على الجميع، فإن هذه الوكالة بالذات كانت قد قدمت اعتذارا للشعب اليوناني على تصنيفاتها الخطأ التي أثرت سلبا على الحياة السياسية في اليونان في نهايات القرن الماضي. وقد أظهرت التحقيقات  أدلة على أن المحللين قد يخضعون لتضليلات كبيرة وفي بعض الأحيان لضغوطات مباشرة لإعطاء تقييمات مجانبة للحقيقة والصواب حماية لمصالح وأعمال بعض عملائها ورضوخا للوبيات سياسية مشبوهة أحيانا، وقد يكون ذلك بالتحديد ما حصل فيما يخص بلادنا مؤخرا.
ويحذر دائما النقاد من التضارب في المصالح الموجود في هذه الشركات، إذ أنه يتم دفع مبالغ مالية ومعلومات سرية مفيدة أو مضللة للشركات التي تقيم تصنيف الديون وقد شبهوا هذه الشركات بـمقيّمي المطاعم والفنادق الذين يجري اختيارهم من قبل رئيس الطهاة أو أصحاب الفنادق...
الخلاصة أن تصنيفات مؤسسة ستاندارد آند بورز ليست بتقارير اقتصادية بحتة وخدمات مالية مجردة عن الأهواء السياسية والإيديولوجية، بل على العكس فهي قد تخضع للكثير من الأجندات السياسية واللوبيات المشبوهة التي قد تستنجد بها بارونات الثورة المضادة.
وقد شكل الرّد السريع لصندوق النقد الدولي )بعد أقل من أسبوع من صدور ترقيم S&P  ( مفاجأة كبرى للمستبشرين بالتصنيف المنخفض الجديد من الذين أرادوا توظيفه للدعوة لحكومة إنقاذ وطني والانقلاب على الشرعية. فقد كان هذا الرد خير دليل على قرب ما ذهبنا إليه من واقع الحال ، فالاقتصاد الوطني في طريقه نحو التعافي والخروج من قمقم التعجيز والتعطيل الذي حوصر فيه منذ أن جرت الرياح بما لا يشتهي سَفن لوبيات الإيديولوجيات البالية والثورة المضادة.  

jeudi 2 août 2012

أزماتنا الحقيقية



مؤشرات عديدة إلى اليوم توحي بأن ثورتنا مازالت ثورة مسجونة ومكبوتة في المجال السياسي فقط بمعناه الضيّق، ونخشى أن تقتصر فقط على تغيير أشخاص في الحكم وصياغة دستور جديد بعد  تجاذبات ومهاترات إيديولوجية ضيقة من شأنها تعطيل سير هياكل الدولة خلال ما تبقى من السنة، وتؤدي لبناء أسس هشة للجمهورية الثانية المنشودة.


فكل وطني غيور يشعر اليوم بأننا بتنا نعيش فعلا مشاكل مركبة ومعقدة جدا. فالخلل ليس فى المجال السياسى فقط، وإنما هناك شرخ حقيقى حصل صلب الشخصية التونسية، لعلّنا يمكن اختزالها في خمسة أزمات حقيقية تعصف بنا بشكل متزامن ومتلازم وبعنف شديد.


الأزمة الأولى أصابت الأخلاق وسلوك الفرد التونسي وهي تتجلى مثلا عند مجموعة في المجتمع ما زالت تستحل النفاق والكذب والخداع وخيانة الأمانة والانتهازية، حتى صرنا نرى التزوير يحدث تحت قبة نواب الشعب الذين حازوا على ثقته فخانوا الأمانة. ولا يبدو أنه من الممكن للدروس الدينية والوعظ والإرشاد ونظام التربية والتعليم المنهك أصلا، ستكفى لعلاجها . وما نراه اليوم من انشقاقات حزبية وتفرق كبير بين النخبة وصراع على الزعاماتية ومظاهر الحسد بين الأصدقاء والأخوة لأكبر دليل على  هذه الانتهازية والنفاق السياسي.
الأزمة الثانية
هي تدني مستوى الآداب العامة والاحساس بالمواطنة والتى عادة ما ترتبط بحق الآخر ممن يعيش معنا في المجتمع ويرتبط معنا بمصير مشترك . لقد أصبحنا لا نهتم بشوارعنا وحدائقنا العامة وأحيائنا ولا نحترم خصوصية الآخرين وحقهم في مجتمع بلا تلوث سمعى أو بصرى بما يؤكد أن مشروع الإصلاح الجذري يتخطى ما هو شخصي وفردي إلى ما هو مدني ومجتمعي.
أما الازمة الثالثة
فأصابت منظومة المعرفة والتعليم في المقتل وأدخلتها غرفة الإنعاش. فمن المفترض أن تعلم المدرسة والجامعة طلابها (فضلا عن الانتماء للوطن)، فضيلة الرغبة فى التساؤل والبحث الدائم عن تفسيرات جديدة من خلال التفكير النقدي والتفكير المنطقى السليم وهو ما يبدو أن مؤسساتنا التعليمية لم تعد قادرة على القيام به.
الأزمة الرابعة
تكمن في ما نشهده من استقالة جماعية من المشاركة الجدية في العمل العام ورفض المشاركة السياسية في الأحزاب رغم كثرتها وفقدان الروح النضالية عند أغلب قواعدها. فهذه الأحزاب تشكو من قلة المناضلين وحتى فئة كبيرة من النخبة أصابتها روح اليأس فانتهوا إلى حالة عدمية لا تجيد التنتقل من التنظير إلى التنظيم، ومن القول إلى الفعل.

الأزمة الخامسة أصابت العقل السياسى بشقيه الفائز والخاسر بحيث أصبحنا بعيدين عن فهم المرحلة وتحديد خارطة الطريق التي ستوصلنا إلى الحكم الرشيد المنشود فى إدارة شؤوننا . إني أخشى أن نفشل في خلق تحالفات واسعة حول أهداف عليا يلتف حولها قطاع واسع من السياسيين ونبتعد عن الإستقطاب، ونقع في معضلة الجري بلهفة وراء المناصب لكي نكون من أصحاب المعالي و نستأثر بالكراسي حتى آخر يوم فى حياتنا بلا أدنى إنكار للذات أو اعتبار للصالح العام.


نحن نواجه إذن في تونس اليوم أزمات مركبة ومعضلات متقاطعة ولا شكّ أننا وبعد عهدين من الحكم الفردي والدكتاتوري  ومرحلة ضعيفة من الانتقال الديمقراطي، وإزاء إرث فكري وثقافيّ وحضاريّ مهمّش وضعيف، يجب أن نقف وقفة حازمة لوضع اليد على الجرح قبل استفحاله، ولن يكون ذلك صعبا وعصيّا على مصاف النخبة التي تزخر بها بلادنا اليوم من سياسيين وأكاديميين وشباب اختاروا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.